٢٩ أكتوبر ٢٠٢٠

عن غياب التعاطف في مؤسسات التعليم المصرية

By null

الحقيقة أنني لم استطع التفكير في مقدمة جذابة كما الحال في مقالاتي السابقة. ان هذه اول مقالة اكتبها باللغة العربية الفصحى, مما يبطئ تفكيري غير المعتاد عليها قليلاً, ولكنني سأدخل في صلب الموضوع. هذه المقالة ليست هادفه, ليست للإخبار, ولكنني اردت ان اتحدث عما يحدث معي كطالب في "تالته حاسبات" حتى اوفر مرجِع لنفسي و غيري.

التعليم الحكومي في مؤسسات التعليم المصرية — تحديداً الجامعات — اصبح اقرب للتعذيب مما هو للتهذيب. تلك المؤسسات التي تسول عقول القائمين عليها لأنفسهم انهم احسن من غيرهم, انهم كائنات متعددة الابعاد وصلت بالتطور العقلي والجسدي والروحي الى مراحل لم يسبق لها مثيل, بل قد تصل الى تشبيه انفسهم بالآلهه, وما هم ببشر حتى.

من المواقف الطريفة — التي تؤلم العقل واعضاء اخرى — ان احد الاساتذة اعتاد ان يحضر وفي يده طعام على الرغم من انه يمنع الطلاب من الاكل خلال محاضراته "عشان يركزّوا". في احدى المحاضرات وجدنا في يديه "حلة محشي", وفي محاضرة اخرى وصل وفي يده "فطير مشلتت وعسل ابيض من بتاع الفلاحين", ولكن لم يكن في حضرته الفنانه روبي. يا للأسف.

ومن المواقف الطريفة الاخرى ان احد الاساتذة — بعد فشله الذريع في تقديم المحتوى المسؤول عنه — طلب مننا ان نقيمه ونقدم له مراجعة لأداءه. وحين قمنا بذلك بكامل الاحترام والواد قام بالانقلاب 180 درجة. خرج من "جروب الدفعة" بعد ان عبر عن سخطه على هؤلاء الفاشلين الذي يقوم بعليمهم (اقصد جميع الطلاب الذين قاموا بتقييمه متضمنين نفسي) طوال الصف الدراسي.

ولا املك القدرة حالياً للتحدث عن الترهيب الديني, ولا فشلهم في شرح او حتى تقديم المحتوى المطلوب منهم على مدار ثلاث سنوات من وجودي. ولا يسعني الا ان اتحدث عن احتقار بعض الاساتذة الاخرين للطلاب و التعالي عليهم. ولكن من المحتمل ان تتحول هذه المقالة الصغيرة الى كتاب اذا بدأت الحديث عن ذلك الموضوع.

الحقيقة ان هذا المثال ينطبق على الاغلبية العظمى من طاقم التدريس في مؤسسات تعليمية حكومية كثيرة. فقد يعتقد من يتابع اخبار تلك المؤسسات ان التعليم الحكومي كله ماهو الا نظام يتم استعباد الطلاب والطالبات فيه بلا هدف ولا غاية.

ويكمن السبب الرئيسي في فساد النظام, فكل من قدر على مستوى دراسي متفوق يصبح في مقدوره الالتحاق بطاقم التدريس. و يمكنك — عزيزي القارئ — استنتاج مقدار فشل هذا النظام.

فلا يوجد مقياس حقيقي على قدرة الملتحقين بطاقم التدريس بالتعليم. فما علاقة ان احرز درجات متقدمة في كتابة التقارير الفنية بقدرتي على شرح الخوارزميات وهياكل البيانات المتقدمة؟ او انني انسان سوي نفسياً؟ او انني استطيع التعامل مع ما يقرب الألف طالب على مدار يومي؟

والحقيقة — مما رأيت ومررت به — ان كثير منهم ذوي امراض نفسية. فالفكرة المنتشره الا وهي "هات مجموع عشان تبقى احسن من غيرك" قد توغلت لعقولهم ونفسوهم حتى سيطرت على الانسانية بداخلهم, واستمرارهم في ذلك الظلم لأنفسهم يؤدي في نهاية المطاف الى اساتذة مرضى يضعون فشلهم في الحياة العملية على كاهل الطلبة.

ويؤدي كل ذلك الى وضع قيود وتصدير تصرفات وافكار مريضة تجاه الطلاب. افكار مثل "لماذا لا يذاكر هؤلاء الطلاب مثلما فعلت؟" او "بعد تعبي هذا قد استحققت ان اتحكم في الطلاب" او "هذه الفكرة بسيطة فلن اشرحها بجِد". ومن ثم يبدأ العديد منهم — الاساتذة — الخوض في طريق التعذيب والترهيب.

والآن وقد اعطيتكم نبذة عما يحدث معنا كطلبة علم يمكنكم تخيل نظام مبني بهذا الشكل وظيفته الاساسية تعذيب الطالب على هوى الاساتذة. و اجابتي لسؤال يدور في بعض اذهان القرّاء هي "لا". انا لا اُكن اي احترام لهؤلاء الاساتذة, لا اُكن شعور ايجابي واحد. فطرتي الانسانية ترفض احترام والتماس الاعذار لهؤلاء المرضى, ولا يسعني الا الشعور بالشفقة عليهم.


Written by Nabil Tharwat

Nabil Tharwat is a software engineer and mentor who's super in love with all things accessibility and performance. He's host of The Weekly Noob podcast and his content has reached thousands of people around the world.

Learn more about Nabil.